Skip to content

المكون العربي في مناطق سيطرة قسد وسياسة النأي بالنفس

– يعاني المجتمع السوري في الحقبة الأخيرة من حالة انقسامات وتشرذمات طائفية وقومية ودينية ومناطقية وعشائرية لم يسبق لها مثيل في أية مرحلة سابقة من مراحل التاريخ الحديث. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي أسباب هذا التشرذم والتشظي، ومن ثمّ ما هي دوافع سياسة النأي بالنفس لدى نخبنا ولاسيما في المنطقة الشمالية الشرقية؟ !هل في التعاقبات السياسية التي مرت على المنطقة؟ أم حالة الصراع والتنافس السائد في المنطقة؟ أم هي نتيجة التثقيف الذي يتجه باتجاه تحقيق المصالح على أساس المحاصصة دون حساب للمخاطر التي يمكن أن تنجم عنها ؟ أم نتيجة لمرور سوريا بمرحلة تغيّر سريع نحو الديمقراطية الجوفاء دون مشاركة حقيقية من قبل أفرادها! أم جاء بسبب التدخلات الخارجية المستمرة في الشأن السوري؟ هذا الحال جعل الساحة السورية تبدو على درجة عالية من الإرباك والارتباك في هوية أفرادها وفي ولائهم، مظهرةً صراعات واضحة بين ما هو وطني وما هو ديني مذهبي وعشائري ومناطقي. ألا يحق لنا أن نقلق على هذا الحال ونحن نرى هويتنا بكافة مستوياتها تعاني التشويه والانقسام على ذاتها؟ في هذه التساؤلات وما يرتبط بها من تساؤلات فرعية أخرى تكمن مشكلة بحثنا هذا.
إن احتكار السلطة المطلقة من قبل قسد خلفت أمراضاً وشوائب عديدة أصابت البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية في شمال شرق سوريا. ما تركت آثاراً سلبية سيئة على الثقافة والسلوك السياسي في المنطقة. حيث أصبحت ثقافة العنف والإقصاء والاستبداد الفكري والجسدي ثقافة شائعة في المجتمع، تمارس بشكل واسع في الأسرة والمدرسة والمؤسسات المدنية الأخرى. واستخدام العنف في مسيرة قسد بوصفه وسيلة لحل المعضلات مع خصوم الرأي والسياسة.
نتجاوز ذلك لنقول: إنه و منذ وصول طلائع قوات سورية الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي إلى المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة «داعش» وطرده منها ، والإعلان عن تأسيس المجلس المدني في بلدة «منتجع» أبو خشب في الريف الشمالي الغربي في/ 2017/، تصدر المشهد السياسي والإداري عددٌ من أبناء المحافظة ممن كانوا خارج اللعبة السياسية في المنطقة مستغلين طبيعة الحياة السياسية والأمنية السائدة فيها، ففي تلك الأثناء مازال التنظيم ماثلاً وحاضراً؛ فكراً ونشاطاً في المنطقة بالرغم من التراجع السريع والانحسار الذي مرّ به التنظيم على حساب تقدم قسد وداعمها التحالف الدولي، إضافة إلى تقرب هؤلاء من الكوادر الكردية التي بدأت تبحث عن شركاء لها على الأرض من العرب، مهما كانت خلفيته العلمية والإدارية والمهنية، في ظل سياسة النأي بالنفس التي انتهجها غالبية الأكاديميين العرب في المنطقة. وفي التفاصيل نقول: إن مرد سياسة النأي بالنفس التي انتهجها هؤلاء تعود إلى عدة أسباب :
– تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» : فتنظيم داعش منذ سيطرته على المنطقة في صيف 2014 وسياسة تقطيع الرؤوس التي اتبعها ضد المعارضين والمناوئين له، وفيلم الرعب الذي بثه في المنطقة «إن صحّ الوصف»، ومحاربته لكل المنخرطين في صفوف الوافد الجديد، كل هذه العوامل وغيرها ساعدت وساهمت في البعد الابتعاد عنه و العمل معه.
– النظام : وفي ظل الولاء الذي يتلقاه من خلاياه من بعض أبناء الريف الذين خرجت مناطقهم من عباءة التنظيم للتو، فـ عدد غير قليل من أصحاب الكفاءات العلمية والإدارية عيونهم وقلوبهم إلى غرب الفرات حيث نظام البعث حتّى وقت قريب تربطهم علاقة حميمة متأصلة مع هذا النظام المجرم، إضافة إلى تصورهم واعتقادهم بعودته وسيطرته على المنطقة من جديد، حيث بدأت نظرتهم مع الزمن تتغّير تجاهه وهم يرون كيف أضحى حاله وحال مناطقه، وقد دفع ذلك إلى انخراط عدد كبير من هؤلاء إلى الدخول في سلطة قسد، أما في المرحلة الأولى فقد كانت لهم سمة غالبة وظاهرة هي النأي بالنفس عن الدخول فيها، قياساً على بقية المناطق التي وقعت تحت سيطرة قسد لاحقاً.
– قسد : عملت قسد ومن خلال سياسة ممنهجة ومقصودة بإبعاد المكون العربي من أصحاب الكفاءات والخبرات وذلك من خلال الفلتان الأمني المستعر والسائد في المنطقة؛ إذ عمدت إلى إطلاق يد التنظيم من خلال خلاياه لتؤدي دوراً فعالاً وإيجابياً لقسد لتمرير سياساتها وأجندتها في المنطقة، من ذلك إبعاد الكفاءات عن المشهد السياسي والإداري، وتقريبها وتقربها من شخصيات و وجهاء ليس لهم من الكفاءة والخبرة شيئاً .
وهناك نقطة في غاية الأهمية أن قيادات قسد وكوادرها فيها تياران:
الأول: من أصحاب الكفاءات وهؤلاء عددهم قليل جداً ويحاولون جاهدين ضمّ الكفاءات والخبرات من أبناء المكون العربي إلى صفوفهم وبناء شراكة حقيقة بما يظهر المنطقة كإدارة قوية وناجحة.
أما التيار الثاني: فهم على النقيض من الأول وهم يشكلون الغالبية الساحقة في بنية قسد ومفاصلها ولهم الكلمة الفصل، فهؤلاء يفضلون من يحمل شهادة ابتدائية ممن انخرط معهم بأسبقية يوم واحد على من يحمل الدكتوراة ، وهؤلاء صوتهم أعلى وكلمتهم أنفذ في بنية قسد.
المكون العربي نفسه : ساهمت ضبابية المشهد وعدم وضوح الرؤية السياسية، و مآلات الوضع، وشكل العلاقة والشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة واللاعبة على الأرض، في انطواء المكون العربي على نفسه؛ حتى باتوا يعتقدون أن مشروع الإدارة الذاتية بصورته هذه لا يعنيهم لا شكلاً ولا مضموناً، أضف إلى ذلك هجرة كثير من النخب إلى خارج المنطقة في مرحلة دخول داعش في 2014، وتضييق قسد على القسم المتبقي منهم حتى سئم العمل وانطوى على نفسه، وقَتل روح الثورة في داخل من تبقى ، كل ذلك ساهم في انقسام المكون العربي؛ إذ انقسم المكون العربي على نفسه حيال الانخراط في صفوف قسد من عدمه.
فالغالبية العظمى يرفضون رفضاً قاطعاً الدخول في صفوف قسد والعمل معها وذلك لعدة اعتبارات منها:
عدم تقبلهم لهذا الوافد الجديد الذي يختلف عنهم فكراً ولغةً وديناً..
الصورة السلبية التي ظهرت وتظهر بها قسد من خلال الفلتان الأمني، وانتشار الفساد، وعجزها عن النهوض بواقع المنطقة من الناحية الخدمية والصحية والتعليمية ..
وتقرب قسد من الشخصيات الفاسدة وعديمي الكفاءة والخبرة ،مما ساهم في إعراض كثير من الكوادر والنخب الموجودة و إحجامهم في الدخول في صفوفها.
أما البقية الذين انضموا مع قسد وهؤلاء قد انضموا من أجل المنفعة الشخصية وتحقيق أفضل المكاسب بأقصر الطرق وأسرعها دون أن يعنيهم من أمر المنطقة وآمالها وآلامها شيئاً .
و قسم قليل جداً ممن انخرط مع قسد منهم كان همّه وهدفه النهوض بواقع المنطقة وأهلها ولكن هؤلاء وفق المعطيات السابقة كان وسيكون أثرهم محدوداً جداً في تحقيق ما تصبوا إليه نفوسهم بتحقيق واقع أفضل للمنطقة وأهلها.
أضف إلى ذلك دور العشيرة والقبيلة التي اعتمدت عليها قسد من خلال تقديم نخب فاسدة وهزيلة وبشهادات مزورة و إبعاد النخب الأكاديمية الجيدة خوفاً وحرصاً على مكانتها وتصدرها المشهد.
ولا يفوتنا، أن نذكر، أن الغالبية الممتازة والجيدة من أصحاب الكفاءات والخبرات ، وبناء على تلك المعطيات قد انخرطوا وتوجهوا صوب العمل مع البرامج والمنظمات الدولية والمحلية وهذه الوجهة قد استقطبت خيرة أبناء المنطقة في حين كان من المفترض أن يكونوا في الوجهة الصحيحة في الإدارة والقيادة، بما ينعكس إيجاباً على المنطقة وأهلها، ولكن بسبب المعطيات السابقة كانوا هنا مما أفقد المنطقة عاملاً ولاعباً هاماً من أبناء جلدتها قادراً على تحقيق ما تصبوا إليه الغالبية الساحقة من المجتمع.
التحالف الدولي : أمّا عن دور التحالف الدولي، فهو سلبي بامتياز ؛ إذ ساهم في انتهاج المكون العربي سياسة النأي بالنفس ، وهو اعتماده على ما تقدمه قسد وأعوانها من المكون العربي من النخب العلمية والإدارية والتي حسب ادعاء هذه الأطراف أنها من تمثل المنطقة ، أضف إلى عدم رغبة وصدق التحالف الدولي في استقطاب هؤلاء وتقديمهم وإتاحة الفرصة لهم في استلام مفاصل الإدارة والقيادة بما يؤدي إلى تصدر المكون العربي مشهد منطقته في أحسن الأحوال ..
مقترحات وتوصيات :
1. العمل على تحسين الوضع الأمني بما يسمح ويتيح بانخراط الكفاءات والخبرات ميدان القيادة والإدارة .
2. رسم صورة واضحة وجلية عن شكل الشراكة والعلاقة بين مختلف الأطراف بما يؤدي إلى وضوح الوضع والرؤية السياسية للمنطقة .
3. وجود الرغبة والصدق والحيادية لدى التحالف الدولي بما يقود لاستلام المكون العربي إدارة وقيادة مناطقه.
4. العمل على تهيئة الظروف والأجواء بما يقود إلى الاستثمار الأمثل للنفط، بما ينعكس على واقع المنطقة وخاصة الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمنطقة ، بما يسهم بالزج بالكفاءات في ميادين العمل كافة .
5. توفير الضمانات المتمثلة بحرية الرأي والتعبير والمشاركة الفاعلة بإدارة الحكم في البلاد من قبل المكون العربي.
6. تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين لتكون فرصهم متساوية في الحصول على الوظائف العامة والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية وتقديم الخدمات العامة لفئات المجتمع جميعهم، بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو القومي أوالعشائري أو..

وختاماً :
نقول: إن سياسة النأي بالنفس التي ينتهجها أبناء المنطقة بحق أنفسهم ومناطقهم ما هو إلا انتحار سياسي ووظيفي وإن شئت قل : انتحار وجودي للمنطقة بكل ما فيها، ونحن نرى ونراقب كيف يتم سحب البساط من تحت أقدام المنطقة وأهلها وإخراجهم من دائرة اللعبة حتى ضمن منطقتهم؟ وأضحى حالهم بعد أن كانوا فاعلين بكل لأطراف.. إلى منفعلين سلبيين، وفي هذه الصورة وهذا الحال سيكون الخاسر الأكبر قطعاً هي المنطقة وأهلها ، إن لم يتم تدارك الموقف قبل فوات الأوان، فهل تعي النخب الموجودة في المنطقة ما يدور حولها؟ أم أن سياسة النأي بالنفس أخرجتهم من دائرة الوعي.. لتكون المنطقة وأهلها أمام تحدًّ خطير يهدد كيانها ووجودها..
ولكن يحدونا الأمل في ربوع المنطقة أن يعي الإنسان العربي ما يدور حوله ويكون بمستوى الحدث؛ من خلال بحثه الدؤوب عن الطريق الصحيح لتحقيق أهدافه، وتحقيق صحوة حقيقية تليق بالمنطقة وشعبها وتضحياتها ومواردها تجعل منها رقماً صعباً في معادلة التوازنات المحلية والإقليمية والدولية..
وما ذلك على الله بعسير

الناشط الميداني : عمران محمد

 

لتحميل المقال مباشر pdf

[المكون العربي في مناطق سيطرة قسد وسياسة النأي بالنفس]

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top